بعد سنوات من المراوحة في دائرة المبادرات والتبرعات ودعم الشرفيين، ستنتقل الأندية السعودية إلى مرحلة مختلفة عنوانها «الاستثمار الأجنبي»، رسم خطوطها العريضة «صندوق الاستثمارات السعودي» الذي اتخذ قراراً تاريخياً بالاستحواذ على الأربعة الكبار، ليمنح بقية الكيانات فرصة اجتذاب العين الأجنبية، ويزيد الهلال بدوره من تلك الفرصة بإشراقته «المونديالية» التي أعادت رسم صورة الدوري السعودي على المسرح العالمي.
مشاركة الهلال العالمية لم تكن قصة عابرة لفريق آسيوي يحقق مفاجأة؛ إذ ضمت قائمته أسماء لامعة مثل روبن نيفيز وجواو كانسيلو وكاليدو كوليبالي ومدربه سيموني إنزاغي الذي قاد إنتر ميلان إلى نهائي دوري أبطال أوروبا قبل أسابيع فقط.
كما أن خزائن النادي كانت عميقة بما يكفي لمضاعفة راتب المدرب الإيطالي مقارنة بما كان يتقاضاه في الدوري الإيطالي.
لكن مع ذلك، نجاح الهلال في بلوغ ربع النهائي وإقصاء مانشستر سيتي أعاد صياغة النقاش أو يفترض أن يعيد صياغته حول ما يمثله الدوري السعودي فعلاً.
فهناك الكثير من الأسباب التي يرددها البعض لانتقاده المشروع السعودي، لكن ما أظهره الهلال على أرض الملعب يجعل من الصعب إنكار أنهم بنوا فريقاً حقيقياً.
هذا الأداء لم يكن نهاية المطاف، بل نتيجة وإن لم تكن ختاماً لما بدأ قبل عامين عندما استحوذ صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي السعودي) على حصة الأغلبية في 4 أندية من الدوري، من بينها الهلال، والنصر الذي يضم كريستيانو رونالدو. كما أسهمت أموال خاصة محلية في دعم عدد من الأندية الأخرى. واليوم تبدو السعودية مقبلة على خطوة جديدة بفتح الباب لأول مرة أمام الملكية الأجنبية.
البصمة الهلالية في المونديال أتت أؤكلها (أ.ب)
وبحسب تقرير للصحافي جوردان كامبل، ثمة تغيير في السياسات باتجاه بيع أول نادٍ سعودي لمستثمرين أجانب قريباً، خطوة أولى نحو تحقيق رؤية أكبر ترى أن غالبية الأندية يجب أن تصبح مملوكة للقطاع الخاص، مع الحفاظ على النمو وضمان أن ما حققه الهلال أمام سيتي لن يكون مجرد صدفة عابرة.
بحسب مصادر لشبكة «The Athletic»، اقتربت «SPL» من إتمام صفقة هي الأولى من نوعها: بيع نادٍ سعودي لمستثمر أجنبي.
خطوة وصفت بأنها «تحول نوعي»، وقد تم بالفعل طرح 6 أندية في مناقصات العام الماضي ضمن «موجة الخصخصة الثانية»، منها الأخدود والعروبة والخلود من الدوري الممتاز، والزلفي والنهضة والأنصار من الدرجات الأدنى.
قد يهمك أيضًا: «الشرق للأخبار» تطلق نسخة متجددة من «دائرة الشرق»
ويهدف ذلك لتوسيع قاعدة المنافسة وخلق بيئة أكثر عدلاً واستدامة. وبحسب الرؤية، يُفترض أن تُعلن أسماء الملاك الجدد لهذه الأندية قريباً؛ تمهيداً لوصول معظم أندية الدوري الـ18 إلى ملكيات خاصة في الأعوام القليلة المقبلة.
ومن هنا يبدو أن احتمال أن يصبح الدوري السعودي مجرد «موضة عابرة» كما حدث مع الدوري الصيني ضئيل جداً. كلما ازداد المشهد المحلي قوة، ازداد انخراطه مع أسواق كرة القدم التقليدية والعكس صحيح. والدليل استضافة كأسَي السوبر الإيطالي والإسباني في السعودية.
كما أن البنية الإدارية للدوري تتطور هي الأخرى. فقد أصبحت رابطة الدوري السعودي مسؤولة عن الإشراف المالي على الأندية، وهي مهمة كانت سابقاً بيد وزارة الرياضة.
كذلك بدأ صندوق الاستثمارات العامة يتحدث أكثر عن «عوائد الاستثمار» و«أهمية الاستدامة». الإنفاق على الصفقات الكبيرة ما زال مستمراً، لكن بقدر من الحذر مقارنة بالسنوات الأولى.
الهلال أظهر في كأس العالم للأندية إلى أي مدى وصلت الدولة بمشروعها الكروي. والآن، تأتي صفقات الاستثمار الأجنبي لتأخذ المشروع إلى مستوى آخر.
وبهذا يبدو أن إنجاز الهلال كان أكثر من مجرد فوز كبير. لقد كان إشارة على بداية مرحلة جديدة؛ مرحلة قد تجعل من الدوري السعودي إحدى أبرز الوجهات العالمية للمستثمرين والمشجعين على حد سواء.
صحيح أن صفقات كريستيانو رونالدو وبنزيما ونيمار وسافيتش قد جذبت أنظار العالم، لكن العبرة الحقيقية كانت فيما تعلّمه السعوديون من هذه الصفقات: لا تكفي الأسماء، بل يجب تجهيز الأندية بالبنية التحتية والمرافق والتخطيط طويل المدى.
ويمثّل نيوم نموذجاً مثالياً لهذا التحول. النادي الذي صعد مؤخراً إلى دوري المحترفين يضم نجوماً مثل سعيد بن رحمة وألكسندر لاكازيت، ويُدار ضمن مشروع المدينة المستقبلية في تبوك، وذلك يعد جزءاً من توجه لجعل الرياضة حافزاً للتنمية الإقليمية.
كذلك فعلت العلا والدرعية. الأولى استحوذت عليها هيئة ملكية تهدف لتحويلها مركزاً سياحياً أثرياً عالمياً، والأخرى جزء من خطة لتصبح وجهة ثقافية ورياضية وترفيهية على أطراف الرياض. وذلك يعد جزءاً من التطوير، تم تعيين دوغي فريدمان، المدير الرياضي السابق لكريستال بالاس، لتكوين فريق قادر على الصعود.
البروفسور سايمون تشادويك، من جامعة إيمليون الفرنسية، يوضح: «السعوديون لا يريدون إنفاق أموالهم في الخارج. هم يريدون خلق أصول رياضية محلية تجذب الاستثمارات والوظائف. الدوري الإنجليزي وحده يُدر 8 مليارات جنيه إسترليني على الاقتصاد البريطاني، وهذا ما تطمح إليه الرياض».