سُجّل حضور أميركي لافت لليوم الثاني على التوالي مع جهود للوسيطين المصري والقطري، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك عبر اجتماع مرتقب بالبيت الأبيض لبحث خطة اليوم التالي للحرب.
ووسط مطالبة مصرية بوقف تصعيد إسرائيل، يأتي الاجتماع الذي يترأسه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في أعقاب حديثه عن ضرورة إنهاء الحرب، ويراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أنه «قد يكون فرصة لإنهاء الحرب لو ضغطت واشنطن على إسرائيل في الغرف المغلقة، وهذه ستحسمها مخرجات الاجتماع، وإلا سنكون أمام تعثر جديد وتصعيد عسكري خطير للغاية على المنطقة».
واجتماع البيت الأبيض يناقش الوضع في غزة في «اليوم التالي» للحرب، وفق تأكيد مبعوثه ستيف ويتكوف لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية، الثلاثاء. الذي وصف الاجتماع بأنه «مهم»، مؤكداً أنه «يعمل على وضع خطة شاملة لليوم التالي لانتهاء الحرب» في القطاع الفلسطيني المدمّر، جراء الحرب المتواصلة فيه بين إسرائيل و«حماس»، منذ ما يقرب العامين.
وصرح ترمب للصحافيين، الأربعاء، قبل انعقاد الاجتماع بأنه «ليس هناك حل حاسم للحرب في غزة في الوقت الراهن، ونأمل أن يكون قريباً»، غداة تأكيده أن الحرب الإسرائيلية على غزة ستشهد «نهاية جيدة وحاسمة» خلال أسبوعين أو ثلاثة، مشيراً إلى أن «هناك دفعة دبلوماسية جادة للغاية بشأن القطاع الفلسطيني، وهناك ضرورة أن تنتهي حرب غزة لما تسببه من جوع وموت»، بحسب ما نقلته «رويترز».
ولم يعلق الوسيطان المصري والقطري، على الاجتماع، ولم يؤكدا مشاركتهما، غير أن هناك مطالب مصرية لأوروبا بالضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة.
وتطلع وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول، إلى «قيام دول الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات فعّالة خلال الاجتماع غير الرسمي المرتقب لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في الدنمارك، لوضع حد للجرائم الإسرائيلية السافرة، ولدفعها للالتزام بالقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي».
وأكد عبد العاطي «ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق وقف إطلاق النار، واضطلاع المجتمع الدولي بدوره لوضع حد للجرائم الإسرائيلية السافرة في قطاع غزة والضفة الغربية»، مشدداً على «ضرورة قيام ألمانيا بالضغط على إسرائيل لوضع حد للقيود التي تفرضها على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة»، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية»، الأربعاء.
فلسطينيون يحملون أكياساً من المساعدات الإنسانية جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
وأهاب المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، في مؤتمر صحافي الثلاثاء، بـ«المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل التي لم ترد على مقترح مصر وقطر الذي وافقت عليه (حماس) (قبل نحو أسبوع ويتضمن هدنة 60 يوماً) سواء بالقبول أو الرفض أو بتقديم مقترح بديل»، مؤكداً أن «التصعيد الإسرائيلي على الأرض يتوسع ولن يؤدي إلى نتائج إيجابية».
قد يهمك أيضًا: تفاصيل حادثة اعتقال المتحدث باسم الصحة الفلسطينية في غزة الدكتور مروان الهمص
وبحسب الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، فإنه «يُنظر إلى الاجتماع الذي يترأسه ترمب شخصياً، على أنه تأكيد أن واشنطن، والرئيس الأميركي تحديداً، بوصفه صانع صفقات، يملكان مفاتيح المرحلة التالية من دبلوماسية الشرق الأوسط وهندسة الحل المحتمل، لكنه يحمل سيناريوهين، أحدهما صفقة جزئية، والآخر نهاية كاملة بخطط لإدارة القطاع من دون (حماس)».
وتتشابك مساعي ترمب حالياً مع أسعار الوقود والسلع المرتفعة بأميركا، وتأثيراتها على فرص حزبه بانتخابات الكونغرس، وفق تسوكرمان، موضحة أن الرئيس الأميركي «يُدرك تماماً أن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط يُؤدّي إلى تقلبات في أسعار الطاقة، وأن أي هدنة تُرسي الاستقرار في المنطقة، ولو مؤقتاً، تُبشّر بخفض أسعار النفط العالمية، وخفض أسعار الوقود، وتحقيق نصر سياسي ملموس قبل بدء الحملة الانتخابية المقبلة».
ويعتقد الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، «أن اشتراطات ترمب وإسرائيل المسبقة بشأن نزع سلاح (حماس) لإنهاء الحرب، تجعلنا أمام اجتماع قد يكرر ذلك ولا تقبله (حماس)، ما يعطي مشروعية لنتنياهو لاستكمال عمليته العسكرية في مدينة غزة التي أقرت أوائل أغسطس (آب) الحالي، مرجحاً ألا يخالف الرئيس الأميركي في المواقف المعلنة، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لكن في الغرف المغلقة قد يضغط عليه مستنداً لطلب رئيس أركانه وأُسر الرهائن إتمام صفقة».
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن اجتماع ترمب «يعطي زخماً لمحاولات الوسيطين المصري والقطري لوقف الحرب أو عقد هدنة، ويعطي إشارة إلى إسرائيل، أن الحرب لن تبقى ويجب أن تتوقف. ويرجح أن الأميركيين يريدون إنهاء الحرب في ضوء عقد هذا الاجتماع بعد حديث ترمب عن ضرورة إنهائها»، مستدركاً: «لكن الرئيس الأميركي في ملف غزة، يتحدث عن شيء، وعلى أرض الواقع شيء آخر، وبالتالي هذه المراوغة في هذه التصريحات تعيدنا لمخاوف عن وجود أفكار مشتركة بين أميركا وإسرائيل تريدان تنفيذها، لا سيما في ملف التهجير».
امرأة فلسطينية تهرع بعيداً عن موقع غارات جوية إسرائيلية على مبنى من ستة طوابق غرب جباليا (أ.ف.ب)
ميدانياً، كثّف الجيش الإسرائيلي عملياته عند أطراف مدينة غزة، الأربعاء، قبل ساعات من اجتماع البيت الأبيض، وأنهى استعداداته لعملية برية واسعة شمال القطاع، وينتظر صدور «الضوء الأخضر» من المستوى السياسي للشروع في التنفيذ، بحسب ما ذكرت «القناة 12» الإسرائيلية، الأربعاء، فيما رجحت هيئة البث الإسرائيلية مصادقة «الكابينت» السياسي والأمني عليها، في اجتماع الأحد المقبل.
وأكد الجيش الإسرائيلي، في بيان، أن إخلاء مدينة غزة «لا مفر منه» خلال الفترة المقبلة، فيما حملت عائلات الرهائن الإسرائيليين، في بيان لها، نتنياهو مسؤولية عرقلته عرضاً لصفقة تبادل ووقف إطلاق النار، وسط احتجاجات جديدة منها، الأربعاء.
وبحسب «القناة 12» الإسرائيلية، فإن المقترح المطروح حالياً يشمل إعادة انتشار القوات الإسرائيلية قرب الحدود لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، ووقفاً مؤقتاً لإطلاق النار لمدة 60 يوماً يتم خلالها تنفيذ التبادل على مرحلتين: الإفراج عن 10 أسرى أحياء و18 جثماناً إسرائيلياً مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، إلى جانب بحث ترتيبات تهدئة دائمة منذ اليوم الأول.
وفي ظل هذا التصعيد واجتماع ترمب، تبرز سيناريوهات مُحتملة، وفق تسوكرمان: الأول صفقة جزئية لتهدئة التصعيد… و الثاني الأكثر تفاؤلاً، أن يستغل ترمب الاجتماع لإطلاق إطار عمل يربط الخطوات الإنسانية الفورية بإعادة الإعمار على المدى الطويل. ويُربط إطلاق سراح الرهائن بإيصال مساعدات خاضعة للمراقبة، وإنشاء هيئة رقابة دولية تضم شركاء خليجيين ودولاً أوروبية ووكالات إنسانية محايدة مع ضغط على إسرائيل.
أما «حماس»، التي تواجه خسائر زائدة في ساحة المعركة وإرهاقاً شعبياً، فستقبل هذا الإطار بوصفه آلية لحفظ ماء الوجه بدلاً من الهزيمة المطلقة، بحسب تقدير تسوكرمان.