أعلنت وزارة المالية اليابانية أن احتياطات البلاد من النقد الأجنبي ارتفعت، في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، إلى 1.314 تريليون دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ أكثر من عام، مقارنة بـ1.298 تريليون دولار في مايو (أيار) السابق عليه. وهذا الارتفاع يعكس استقراراً نسبياً في موقف اليابان الخارجي، ويعزز قدرتها على مواجهة الأزمات المالية العالمية.
غير أن هذا التطور الإيجابي يأتي في خضم مؤشرات داخلية أقل طمأنينة؛ أبرزها تراجع الأجور الحقيقية للمواطنين اليابانيين، وازدياد حِدة منحنى العائد على السندات الحكومية، مما يعكس تفاقم القلق حول مستقبل المالية العامة للبلاد.
وأظهرت بيانات وزارة الصحة والعمل والضمان الاجتماعي اليابانية أن الأجور الحقيقية تراجعت، خلال شهر مايو، بنسبة 2.9 في المائة على أساس سنوي، في أكبر انخفاضٍ لها منذ سبتمبر (أيلول) 2023. وهذا التراجع يعكس انخفاض القوة الشرائية للمستهلك الياباني، خصوصاً في ظل استمرار الضغوط التضخمية. تزامن ذلك مع انخفاض نمو الدخل النقدي للعمال إلى 1 في المائة فقط، وهو دون التوقعات التي كانت تشير إلى 2.4 في المائة.
ويُعزى هذا الانخفاض، بشكل رئيس، إلى تراجع المدفوعات الخاصة بنسبة 18.7 في المائة، رغم تسجيل زيادات طفيفة في الأجور المنتظمة وأجور العمل الإضافي. ويضعف هذا الخلل في تركيبة الدخل من قدرة الأُسر على الإنفاق، ويهدد بتباطؤ الطلب المحلي، وهو أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي في اليابان.
الأسواق المالية في حالة ترقب
توازياً مع الضغوط الاجتماعية، شهدت الأسواق المالية اليابانية اضطرابات ملحوظة مع اقتراب موعد انتخابات مجلس الشيوخ، المقررة في 20 يوليو (تموز) الحالي. فقد ارتفعت عوائد السندات الحكومية طويلة الأجل، وهو ما يعكس انخفاضاً في ثقة المستثمرين تجاه الوضع المالي للدولة. وسجل العائد على السندات لأجل 30 عاماً ارتفاعاً إلى 2.92 في المائة، في أعلى مستوى له منذ أكثر من شهر، بينما ارتفع عائد السندات لأجل 20 عاماً إلى 2.415 في المائة.
تصفح أيضًا: شركة إيرانية تسعى للاستحواذ على ميناء روسي في بحر قزوين
يأتي هذا الارتفاع في العوائد وسط عمليات بيع مكثفة للسندات طويلة الأجل، نتيجة مخاوف متجددة من تفاقم العجز المالي وتراجع قدرة الحكومة على التحكم بالإنفاق، خصوصاً إذا خسر الائتلاف الحاكم، بقيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي، أغلبيته البرلمانية. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى احتمال حدوث هذا السيناريو، ما قد يدفع الحكومة إلى تبنِّي سياسات مالية توسعية، مثل خفض الضرائب أو توزيع مساعدات نقدية للأُسر.
تداعيات الرسوم الأميركية
على صعيد آخر، تأثرت الأسهم اليابانية أيضاً بتطورات السياسة التجارية الأميركية، حيث هبط مؤشر «نيكي» بنسبة 0.46 في المائة نتيجة الحذر الذي سيطر على المستثمرين، في ظل تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية جديدة تدخل حيز التنفيذ، مطلع أغسطس (آب) المقبل. وقد تراجعت أسهم شركات السيارات مثل تويوتا وهوندا ونيسان، كما خفّضت شركات صناعية مثل ياسكاوا إلكتريك توقعاتها للأرباح بسبب الغموض المحيط بالطلب العالمي.
وتشير المؤشرات الحالية إلى أن الاقتصاد الياباني يواجه مزيجاً من التحديات الداخلية والخارجية، فمن جهة، يُعزز ارتفاع الاحتياطات النقدية قدرة اليابان على الاستقرار في المدى القصير، ومن جهة أخرى، فإن تراجع الأجور وازدياد المخاوف بشأن الوضع المالي يعكسان هشاشة داخلية تتطلب تدخلات فورية.
ويراقب صانعو السياسات المالية والنقدية من كثبٍ هذا التناقض بين المؤشرات الكلية الإيجابية والضغوط الاجتماعية والمالية المتزايدة. فمع اقتراب موعد الانتخابات، ستكون أي إشارة إلى إعادة ضبط السياسات المالية ذات تأثير كبير على الأسواق وعلى ثقة المستهلكين.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى الاقتصاد الياباني بحاجة إلى توازن دقيق بين الانضباط المالي وتحفيز الاستهلاك المحلي. كما يجب مراقبة تطورات السياسة النقدية والعلاقات التجارية الدولية؛ لضمان تجنب انعكاسات سلبية على النمو والاستقرار الاجتماعي في المرحلة المقبلة.