يُكثّف مستشارو الحكومة الصينية دعواتهم إلى جعل إسهام قطاع الأسر في النمو الاقتصادي الأوسع أولوية قصوى في خطة بكين الخمسية المقبلة، في ظلّ تهديد التوترات التجارية والانكماش للتوقعات.
ويجمع القادة مقترحات لخطتهم الخمسية الخامسة عشرة، وهي وثيقة ضخمة تُحدّد الأولويات حتى عام 2030. ومن المتوقع أن تُعتمد الخطة في مؤتمر للحزب الشيوعي في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وأن يوافق عليها البرلمان في مارس (آذار) 2026. وصرّح مستشارو السياسات لـ«رويترز» بأنه في حين يتوقعون أن ترفع الوثيقة الاستهلاك المنزلي إلى هدف رئيسي من حيث المبدأ، فمن المرجح ألا تحدد هدفاً واضحاً.
ويمثّل الاستهلاك المنزلي حالياً 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويقترح بعض المستشارين أن تستهدف الصين 50 في المائة خلال الدورتَيْن المقبلتَيْن اللتَيْن تمتدان لخمس سنوات.
ولطالما حثّ الاقتصاديون بكين على التحول إلى نموذج اقتصادي قائم على الاستهلاك، والاعتماد بشكل أقل على الاستثمارات والصادرات المدعومة بالديون لتحقيق النمو. وعلى الرغم من صمود الصين حتى الآن إلى حد كبير أمام ضغوط الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة، فإن المخاوف الجديدة بشأن الطاقة الإنتاجية الفائضة، وانكماش المصانع، وما ينتج عنه من ضغط على الوظائف والدخل، قد زادت من الدعوات إلى تغيير في الاستراتيجية طويلة الأجل.
وقال مستشار سياسات -شريطة عدم الكشف عن هويته نظراً إلى حساسية الموضوع-: «الاعتماد على الطلب الخارجي يجعلنا عرضة للصدمات العالمية». وقال المصدر، مردداً دعوات من مستشارين آخرين تحدثت إليهم «رويترز»: «يجب أن نعزّز الاستهلاك المحلي محركاً رئيسياً للنمو والتحول الاقتصادي». قال مستشار رابع إن مقترحاته لن تتضمّن هذه التوصية؛ لأن «هذا أمرٌ لا يمكن تحقيقه بسهولة دون سياسات وإصلاحات سليمة».
الدعوات إلى قطاع استهلاكي أكثر قوة ليست جديدة. وفي حين تعهدت بكين بإجراء تغييرات هيكلية لأكثر من عقد من الزمان، فإن حصة استهلاك الأسر من الناتج المحلي الإجمالي لا تزال تقريباً كما كانت في عام 2005، وأقل بكثير من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 54 في المائة.
ويقول المحللون إن الصعوبة تكمن في اضطرار الصين إلى تحويل الموارد من قطاعي الأعمال والحكومة إلى الأسر بطرق قد تُبطئ النمو. ودخلت اليابان فترة ركود استمرت عقوداً بحصة أسرية من الناتج المحلي الإجمالي بلغت 50 في المائة في عام 1991. ولم ترتفع هذه النسبة إلا إلى 58 في المائة بحلول عام 2013، قبل أن تتراجع إلى 55 في المائة.
وأعرب تقرير تقدّم الخطة الخمسية الرابعة عشرة لعام 2023 عن أسفه لـ«عدم كفاية الآليات» لتعزيز الاستهلاك. وقال المستشارون إن مقترحات السياسات للخطة الخامسة عشرة هي إلى حد كبير المقترحات نفسها التي وعدت بها بكين سابقاً. تشمل هذه الإجراءات تعزيز الرعاية الاجتماعية، وتخفيف نظام جوازات السفر الداخلية الذي يُلام على التفاوت الكبير بين المناطق الحضرية والريفية، وإجراءات أخرى -بما في ذلك تعديلات ضريبية- لإعادة توزيع الدخل على من يملكون دخلاً أقل ويميلون إلى إنفاقه.
نوصي بقراءة: النزاعات التجارية تهيمن على مؤتمر «تمويل التنمية»
وتشمل المقترحات الجديدة استخدام الأصول المملوكة للدولة لدعم صناديق التقاعد، ودعم سوق الأسهم المتذبذب وقطاع العقارات المتضرر من الأزمة لزيادة أرباح استثمارات الأسر. وقال مستشار ثانٍ: «علينا زيادة دخل الأسر، وعلينا تعزيز التحويلات المالية للفئات ذات الدخل المنخفض، لكننا شهدنا تخفيضات في الأجور». وأضاف أن طلب الأسر اكتسب أهمية متزايدة في الخطة الخمسية المقبلة، حيث تركز المناقشات على ما إذا كان ينبغي على الصين تحديد هدف استهلاكي محدد.
وقال يانغ ويمين، نائب رئيس مركز الصين للتبادلات الاقتصادية الدولية، وهو مركز أبحاث، خلال الشهر الماضي، إن الصين يجب أن ترفع استهلاك الأسر إلى أكثر من 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035.
ويتوقع المستشارون أن يبقى هدف الخطة الرابعة عشرة المتمثل في الحفاظ على استقرار حصة التصنيع من الناتج المحلي الإجمالي نسبياً لمدة خمس سنوات أخرى. ولقد حوّل الاستثمار المُوجّه من الدولة قطاع التصنيع إلى محرك رئيسي للنمو… لكن ثمة حجة تُشير إلى أن زيادة الاستثمار في مجمع صناعي يُمثّل بالفعل ثلث التصنيع العالمي تُؤدّي إلى تناقص العوائد.
ودعت مجلة بارزة تابعة للحزب الشيوعي الأسبوع الماضي إلى تشديد الخناق على حروب الأسعار في مختلف الصناعات، في إشارة إلى فائض الطاقة الإنتاجية والانكماش الاقتصادي في الصين.
وقال رئيس الجمعية الصينية للإصلاح الاقتصادي، بنغ سين، في تعليقات نُشرت على حساب «وي تشات» التابع لنادي تشانغان أفينيو للقراءة، وهي هيئة غير رسمية يدعمها كبار المسؤولين، إن تباطؤ الاستهلاك يُلحق الضرر أيضاً بأرباح التصنيع ويُعرّض الوظائف للخطر. وقال بنغ، في مارس (آذار)، إنه ينبغي على الصين تعزيز الاستهلاك النهائي الذي يشمل إنفاق الأسر والحكومات، بوصفه نسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 70 في المائة بحلول عام 2035. وبلغت هذه النسبة 56.6 في المائة في عام 2024.
ولكن ليس جميع مُفكّري السياسات في الصين يُفضّلون النموّ الذي يقوده المستهلك. وفي مقال نُشر في يونيو (حزيران) في صحيفة «ييكاي» المالية، قال الخبير الاقتصادي الحكومي، يو يونغدينغ، إن هذا المفهوم «غير صحيح نظرياً» ولا يتوافق مع التنمية طويلة الأجل، متابعاً: «في الواقع، لا يوجد نمو، ودون نمو يصعب تحقيق استهلاك مستدام».
وكما هو الحال مع الخطة الخمسية السابقة، من غير المرجح أن تحدد الصين هدفاً محدداً لنمو الناتج المحلي الإجمالي للدورة المقبلة، وفقاً للمستشارين. تستهدف الصين نمواً بنحو 5 في المائة هذا العام، وهو الهدف المحدد لعام 2024 نفسه.
لكن المستشارين أكدوا أن الطموحات التي وُضعت في عام 2021 لمضاعفة حجم الاقتصاد بحلول عام 2035 لا تزال قائمة. ويقول المحللون إن هذا، كما في الماضي، قد يعني تأخير الإصلاحات المؤلمة اللازمة لإعادة توازن الاقتصاد نحو الاستهلاك. وقال مستشار ثالث: «لا يمكن أن يكون النمو خلال هذه الفترة أقل من 4 في المائة. لن نقبل بأقل من ذلك».