سيشهد توجّه «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي نحو التركيز على سوق العمل في 2020 إعادة ضبط يوم الجمعة، عندما يُتوقع أن يعلن رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»، جيروم باول، عن إطار عمل جديد للبنك المركزي يأخذ في الاعتبار نصف العقد الأخير الذي شهد ارتفاعاً حاداً في التضخم، وتوفر الوظائف بشكل واسع، وانتشار حالة من عدم اليقين.
وقد لا تلغي الوثيقة الجديدة تماماً اللغة التي تم اعتمادها عندما تعهد «الاحتياطي الفيدرالي» في خضم الجائحة وحركة العدالة الاجتماعية المتنامية بعدم تعطيل مكاسب سوق العمل لمجرد تهديد التضخم، في محاولة لتحقيق مستويات «واسعة وشاملة» من التوظيف، وفق «رويترز».
جيروم باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بايلي ومحافظ بنك كندا تيف ماكليم في جاكسون هول 23 أغسطس 2024 (رويترز)
التركيز على استقرار التضخم
لكن باول أشار إلى أن إعادة المعايرة قادمة، وربما تؤكد على استقرار التضخم كأساس لتحقيق أفضل نتائج لسوق العمل، مع تخصيص بعض السياسات لفترات ضعف الاقتصاد بشكل غير طبيعي أو انخفاض التضخم بشكل غير عادي، كما حدث في العقد السابق للجائحة.
في تلك السنوات، عندما أجرى «الاحتياطي الفيدرالي» سلسلة من جولات الاستماع المجتمعية، كان الموظفون يطرحون أسئلة حول التضخم، وكان رد فعل الناس يبدو وكأنهم ينظرون إلى شخص غريب برأسين. لم يكن الموضوع ذا أهمية، مقارنة بالاهتمام الأكبر بالوظائف والنمو، بحسب إلين ميد، أستاذة جامعة ديوك، التي ساعدت في تنظيم مراجعة إطار 2020 مستشارة رفيعة في «الاحتياطي الفيدرالي». وأضافت: «العالم يبدو مختلفاً اليوم».
الوثيقة الجديدة واستبدال لغة 2020
وقد أقر باول بالفعل بأن اللغة المعتمدة في 2020 أصبحت قديمة بعد ارتفاع التضخم خلال جائحة «كوفيد-19»، ومن المرجح استبدالها. ومن المتوقع أن يعرض الوثيقة الاستراتيجية الجديدة عند مخاطبته مؤتمر أبحاث «الاحتياطي الفيدرالي» السنوي يوم الجمعة.
وأظهرت محاضر اجتماع «الاحتياطي الفيدرالي» في 29-30 يوليو (تموز)، التي صدرت الأربعاء، أن اللجنة اقتربت من الانتهاء من تعديل بيان المبادئ، مؤكدةً أن الوثيقة «ستُصمم لتكون قوية في مواجهة نطاق واسع من الظروف الاقتصادية».
جيروم باول يتحدث خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماع لجنة السوق المفتوحة في واشنطن 30 يوليو 2025 (أ.ب)
الانتقادات للنهج الحالي وتعقيداته
وقد تعرض النهج الحالي لانتقادات بسبب التعقيدات التي أدخلها، والتي ربما أبطأت استجابة «الاحتياطي الفيدرالي» للتضخم الناشئ في 2021 وجعلته غير ذي صلة بكيفية تطور الاقتصاد أثناء الجائحة.
تصفح أيضًا: موزمبيق تدرس طلب إعادة هيكلة ديونها مع الصين
والكثير مما تم تقديمه في 2020، وخاصة الوعد المثير للجدل بالسماح بفترات تضخم مرتفعة لتعويض انخفاض التضخم حتى يصل متوسطه إلى 2 في المائة مع مرور الوقت، نشأ من تجربة «الاحتياطي الفيدرالي» في رفع أسعار الفائدة من مستويات قريبة من الصفر بعد الركود 2007-2009.
وقال ريتشارد كلاريدا، نائب رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» السابق، إن هذا النهج قد يظل مناسباً خلال فترات ضعف اقتصادي طويلة، لكنه أشار إلى أن النهج في الأوقات العادية قد يعود إلى استهداف التضخم المباشر الذي اعتمده «الاحتياطي» سابقاً. وأضاف كلاريدا: «القراءة الحرفية لبيان 2020 تعمل بشكل جيد ضمن البيئة التي كان (الاحتياطي الفيدرالي) يعمل فيها طوال عقد من الزمن، مع تضخم أقل من الهدف وركود هيكلي». لكنه أشار إلى أن «2025 ليست 2020، ولدينا الآن مساحة أكبر لممارسة السياسة النقدية».
ويبلغ معدل «الاحتياطي الفيدرالي» الحالي بين 4.25 و4.50 في المائة، وكان أعلى بنسبة كاملة في العام الماضي، بما يتماشى مع مستويات العقود السابقة، حيث لم يتجاوز 2.5 في المائة بين مارس (آذار) 2008 وسبتمبر (أيلول) 2022.
إعادة التفكير في التوازن بين التضخم وسوق العمل
التحدي أمام باول و«الاحتياطي الفيدرالي» الآن هو تجنب الانطباع بأنهم يتخلون عن سوق العمل لصالح نهج يركز على التضخم أولاً.
وتعافى سوق العمل ببطء بعد أزمة 2007-2009، لكن معدل البطالة انخفض في النهاية إلى ما دون المستوى الذي يعتبره مسؤولو «الاحتياطي» متوافقاً مع استقرار التضخم. ومع ذلك، بقي التضخم منخفضاً، مما أثار تحولاً في التفكير: لم يعد من الضروري اعتبار معدل البطالة المنخفض علامة حتمية على التضخم المستقبلي، بل يمكن أن تستمر مكاسب الوظائف حتى تظهر علامات واضحة على ارتفاع الأسعار.
دونالد ترمب يزور مشروع تجديد مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» مع رئيسه جيروم باول 24 يوليو 2025 (د.ب.أ)
استراتيجيات باول الجديدة وسوق العمل
وعندما طرحت الجائحة ملايين الأشخاص خارج سوق العمل، تحدث باول في منتدى جاكسون هول 2020 عن «تقديرنا لفوائد سوق العمل القوي، خصوصاً للعديد من المجتمعات منخفضة ومتوسطة الدخل»، وشرح استراتيجية جديدة «تعكس وجهة نظرنا بأن سوق العمل القوي يمكن الحفاظ عليه دون التسبب في تفشي التضخم».
وأضاف هذا النهج إلى الانتقادات الجمهورية الناشئة لـ«احتياطي مستيقظ» يقلل من السيطرة على الأسعار لمعالجة عدم المساواة في الدخل، لكنه كان أيضاً متسقاً مع البيانات في العقد 2010s، ومؤخراً عندما انخفض معدل البطالة إلى مستويات منخفضة جداً رغم انخفاض التضخم، مخالفة توقعات العديد من الاقتصاديين التقليديين.
على الرغم من أن هدفي «الاحتياطي الفيدرالي» التشريعيين – استقرار التضخم وتحقيق أقصى قدر من التوظيف – يعتبران متساويين في الأهمية، بدأ باول استخدام صياغة تصف استقرار الأسعار كشرط ضروري لتحقيق أقصى استفادة من سوق العمل، وهو نهج يتيح للبنك تبرير خطوات مكافحة التضخم بما يتماشى مع أهداف التوظيف. وقال: «من دون استقرار الأسعار، لا يمكننا تحقيق فترات طويلة من سوق عمل قوي تفيد جميع الأميركيين».
وقالت ميد إن هذا النهج يذكّر بطريقة الرئيس السابق آلان جرينسبان في محاولة موازنة الأولويات المتضاربة، حتى وإن تغير فهم تأثير البطالة المنخفض على التضخم. وأضافت: «تحقق استقرار الأسعار، وهذا يمهد الطريق لتحقيق أقصى قدر من التوظيف… أعتقد أن باول وجد طريقه للعودة إلى هذا الإطار. يجب أن تصل إلى استقرار الأسعار أولاً، وهذا هو في مقدمة تفكيرهم».