الرئيسية الاخبار العاجلة بوادر أزمة حادة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بسبب «اتفاق الشراكة»

بوادر أزمة حادة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بسبب «اتفاق الشراكة»

0

تلوح في أفق العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي حالياً بوادر أزمة حادة بشأن اتفاق الشراكة، الجاري تنفيذه منذ عام 2005، والذي يتضمن أبعاداً سياسية وحقوقية، تتعلق بحرية الصحافة، والناشطين السياسيين والحقوقيين، الذين تتم متابعتهم أمنياً وقضائياً بسبب تعبيرهم عن آرائهم، والتنديد بما يُعدّ «تجاوزات وقيوداً»

قالت الجزائر، الخميس، إنها «فوجئت للقرار المتسرع أحادي الجانب»، الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بخصوص اللجوء إلى التحكيم؛ بسبب ما يعدّه قيوداً يفرضها الجانب الجزائري على التجارة والاستثمار، حسب بيان لوزارة خارجيتها، أوضحت فيه أنها تلقت هذا القرار من مديرية التجارة بالمفوضية الأوروبية».

وعدَّت الجزائر الخطوة الأوروبية «مخالفة لاتفاق الشراكة، الذي يربط الجزائر بالاتحاد الأوروبي»، والذي تم توقيعه عام 2002 ودخل حيز التنفيذ في عام 2005، وكان من المفترض أن يؤدي إلى تفكيك جمركي شامل خلال 12 سنة، غير أن هذه العملية شهدت تأجيلات متكررة لأسباب اقتصادية وسياسية.

الرئيس الجزائري أكد خلال اجتماعه بحكومته مطلع 2025 أن بلاده تريد تقاسماً للأرباح مع أوروبا (الرئاسة)

وفي رده على الإجراء الأوروبي، وجّه وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، الخميس، رسالة رسمية في هذا الشأن إلى كايا كالاس، الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، عبَّر فيها عن «تفاجئه من القرار الأوروبي المتسرع والأحادي الجانب»، حسب البيان ذاته.

وأكد عطاف في رسالته أن «مسار المشاورات، الذي جرى في جوٍ بنَّاء وهادئ، لا يبرر بأي حال من الأحوال هذا الانقطاع المفاجئ في الحوار، لا سيما وأن الطرف الجزائري قدَّم مقترحات عملية بخصوص النقطتين المتبقيتين، دون أن يتلقى أي رد رسمي من نظيره الأوروبي». ولم يوضح بيان الخارجية ما هما «النقطتان».

وعدَّ عطاف أن «الطابع الأحادي لهذا المسعى الأوروبي يناقض روح ونص اتفاق الشراكة»، معبّراً «بشكل خاص عن أسفه لأن الجانب الأوروبي تصرف كما لو أن مجلس الشراكة، وهو الهيئة المركزية لاتخاذ القرار في إطار الاتفاق، لم يعد قائماً». لافتاً إلى أن «تقييم نتائج المشاورات، واتخاذ القرارات بشأنها يقع حصراً ضمن صلاحيات مجلس الشراكة، ولا يجوز لأي طرف أن يحل محله».

وأضاف عطاف موضحاً أن هذا المجلس «لم يعقد منذ خمس سنوات، رغم الطلبات المتكررة والملحة من الجانب الجزائري؛ وهو ما حرم الطرفين من إطار مؤسساتي محوري، الغاية منه ضمان تطور متوازن للعلاقة الثنائية، من جهة، والقيام بدور رئيسي في تسوية النزاعات، من جهة أخرى».

أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي، الأربعاء 16 يوليو (تموز)، عن إطلاق إجراء تحكيمي ضد «القيود التجارية والاستثمارية التي تفرضها الجزائر». وفي الوقت ذاته، أعربت عن دعمها للشركات الفرنسية التي قد تتأثر بالأزمة الدبلوماسية الحالية بين فرنسا والجزائر.

كايا كالاس الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية (متداولة)

وعدّ الاتحاد الأوروبي عن طريق موقعه المخصص للسياسة الخارجية أن الإجراءات التي اتخذتها الجزائر، تمثل «انتهاكاً لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر»، ومن خلال طلب التحكيم، «يسعى الاتحاد إلى استعادة حقوق المصدرين والشركات الأوروبية العاملة في الجزائر، التي تضررت من هذه القيود». كما أكد أن التجارة والاستثمار مع الجزائر أصبحا «أكثر صعوبة» بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين في الاتحاد الأوروبي؛ وذلك بسبب سلسلة من «العوائق التي وضعتها السلطات الجزائرية منذ عام 2021».

وأعلن الاتحاد الأوروبي أيضاً عن تعيين محكّمه في إطار النزاع القائم، بينما يُنتظر من الجزائر أن تُعيّن محكّمها خلال مهلة أقصاها شهران، على أن يُعيَّن المحكّم الثالث من قِبل مجلس الشراكة، استناداً إلى اتفاقية الشراكة.

نوصي بقراءة: تحذير دولي من تصاعد وتيرة العواصف في العراق

من جهة أخرى، أعرب الاتحاد الأوروبي عن «قلقه» مما وصفه بـ«العقبات الإضافية التي وضعتها الجزائر، والتي تستهدف بشكل خاص الشركات والمصدرين الفرنسيين»، مؤكداً أن هذه العقبات «محل متابعة دقيقة وستظل تُطرح للنقاش مع الجزائر».

منذ سنوات، تطالب الجزائر بمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي، على أساس أنه «مجحف» وغير «متوازن»، وتسبب في خسائر مالية كبيرة لها. وقدر خبراء في الجزائر خسائر البلاد جراء اتفاق الشراكة مع بروكسل بأكثر من 30 مليار دولار في الـ20 سنة الماضية.

وزير خارجية الجزائر (الوزارة)

وفي عام 2021، أطلقت الجزائر إجراءات تندرج في إطار خطة لتقليص فاتورة الواردات بهدف تنويع اقتصاد البلاد، وتقليل اعتماده على المحروقات، وتعزيز التصنيع المحلي، تتعلق أساساً بتنظيم الواردات وتحفيز الإنتاج المحلي، وقد شملت نظام تراخيص الاستيراد، وحوافز لاستخدام المدخلات المحلية في قطاع السيارات، وإجراءات تخص استيراد مواد فلاحية، وتدابير تتعلق بتنظيم المشاركة الأجنبية في الشركات المستوردة.

وتعامل المسؤولون مع هذه القضية وفق منطق «سيادي»، لا يريدون للاتحاد الأوروبي أن يتدخل فيها، ولا أي شريك تجاري آخر، علماً أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للجزائر، ممثلاً نحو 50.6 في المائة من تجارتها في 2023، رغم تراجع صادراته إليها من 22.3 مليار يورو عام 2015 إلى 14.9 مليار يورو عام 2023.

ورأت المفوضية الأوروبية أن هذه الإجراءات تفرض «قيوداً» على صادراتها إلى الجزائر، وتشكل خرقاً لبنود اتفاق الشراكة. وفي 14 يونيو (حزيران) الماضي أعلنت رسمياً رفضها لها، ولوّحت باللجوء إلى التحكيم الدولي المنصوص عليه في الاتفاق، باعتباره آلية يمكن اللجوء إليها إذا رأى أحد الطرفين أن الآخر أخلّ بالتزاماته التجارية. وأكدت في الوقت نفسه أن هذه الخطوة تهدف إلى فتح حوار بنّاء مع الجزائر لرفع القيود المفروضة، والتي تشمل المنتجات الزراعية والسيارات، ونظام تراخيص الاستيراد، وشروط التصنيع المحلي، فضلاً عن تحديد سقف لمساهمة المستثمرين الأجانب في الشركات المستوردة.

في فبراير (شباط) 2025، عقد الطرفان اجتماعيْن بهدف تجاوز الخلاف وتفادي اللجوء إلى التحكيم. وفي الوقت نفسه، انطلقت مشاورات مبدئية بشأن طلب الجزائر مراجعة وثيقة الشراكة لجعلها أكثر نفعاً لها. غير أن الطرفين لم يتمكنا من التوصل إلى حل، بعد أن طالب الجانب الأوروبي بالتراجع عن قرارات تقييد الصادرات، قبل إجراء أي تعديل على الاتفاق، وهو ما رفضته الجزائر.

في أواخر عام 2024، صرّح وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، خلال مؤتمر صحافي، بأن بلاده تمرّ بـ«وضع مقلق» في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، مضيفاً: «يبدو وكأنهم يتعاملون معنا على أساس أن اقتصادنا لم يتحرّك منذ عام 2005».

وأشار عطاف إلى أن بلاده «أصبحت من كبار مصدّري الصلب، غير أن الأوروبيين فرضوا في السابق حصصاً على وارداتهم من هذا المنتج، وحين طلبنا رفع هذه الحصص ابتداءً من عام 2026، قوبل الطلب بالرفض. ومن هنا، نرى أنهم يرون تطورنا الصناعي بمثابة خرق لاتفاق الشراكة».

وتابع الوزير قائلاً إن «ضريبة إزالة الكربون»، التي تم تبريرها بدوافع بيئية، من شأنها أن تمنع مستقبلاً دخول عدد من المنتجات الجزائرية إلى السوق الأوروبية.

السفير الأوروبي لدى الجزائر (يسار) مع وزير خارجية الجزائر (متداولة)

وشدّد عطاف على أن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي يعاني «اختلالات كبيرة» تضرّ بالاقتصاد الجزائري، وقال بهذا الخصوص: «قلت للأوروبيين بوضوح إن هذا الاتفاق أصبح عبئاً على الجزائر». مضيفاً أن قيمة التبادل التجاري بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بلغت نحو ألف مليار دولار منذ 2005، في حين لم تتجاوز الاستثمارات الأوروبية في الجزائر 13 مليار دولار خلال الفترة نفسها، مقابل تحويل أرباح بقيمة 12 مليار دولار من قِبل شركات أوروبية، وهو أمر «لم يعد مقبولاً»، حسب تعبيره.

وبرز معطى جديد أثر في مسار التفاوض، حسب المراقبين، تمثّل في تصويت البرلمان الأوروبي مطلع العام الحالي على لائحة بشأن تجديد اتفاق الشراكة مع الجزائر، عدَّتها الجزائر «محاولة ضغط عليها من حكومات الاتحاد». وقد شددت اللائحة على «ضرورة احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير»، وطالبت بربط مراجعة اتفاق الشراكة، وأي تمويل مستقبلي من الاتحاد الأوروبي بالتقدم المحرز في هذا المجال.

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version