أمام تحديات المناخ والتوسع الحضري، يبرز ابتكار فريد يمزج بين التكنولوجيا والطبيعة. إنه «الحديقة الذكية» (Avanade Intelligent Garden) التي طُرحت ضمن معرض «أزهار تشيلسي» (Chelsea Flower Show 2025) في لندن ثم نُقلت إلى متنزه «ماي فيلد» الشهير في مدينة مانشستر. هذه الحديقة لم تعُد مجرد مساحة خضراء بل أضحت منصة تفاعلية تمكننا من «التواصل» مع الأشجار نفسها.
بمبادرة مشتركة بين «أفانادي» و «مايكروسوفت» وتحت إشراف المصمم البريطاني توم مايسي والمهندسة جي آن، تم تركيب أجهزة استشعار داخل التربة وعلى جذوع 12 شجرة. هذه الحساسات ترصد بيانات حيوية متنوعة كمستوى الرطوبة ودرجة الحرارة وحموضة التربة وسرعة نمو الأشجار وجودة الهواء المحيط. تُرسل هذه المعلومات إلى منصة سحابية تعمل برمجيات «أزور» من «مايكروسوفت» و «جي بي تي»، بحيث تُتيح للمستخدمين عبر تطبيق (تري توك) «Tree Talk» طرح أسئلة على الأشجار والحصول على إجابات فورية بلغة طبيعية (TechInformed).
يهدف المشروع لمعالجة ظاهرة موت الأشجار الحضرية في السنوات الأولى من زراعتها من خلال الرعاية الذكية والمبكرة (مايكروسوفت)
من خلال تجربة حية ضمن المعرض، طرح صحافي سؤالاً على إحدى الشجر: «كيف حالك اليوم؟»، لترد: «الأمور عادية؛ درجات الحرارة والرطوبة والرطوبة في مستويات مقبولة، وجذوري تتوطد». أما شجرة أخرى فحذّرت من تباطؤ النمو بعد زراعتها حديثاً، مشيرةً لحاجتها إلى المزيد من الماء.
تقنية (تري توك) «Tree Talk» ليست مجرد دعاية بل مشروع يهدف لمواجهة مشكلة جدّية وهي أن 30 في المائة من الأشجار الحضرية تموت خلال أول عام من زراعتها و50 في المائة تختفي خلال عقد. وتأتي الحديقة الذكية لتمنح هذه الأشجار صوتاً، يمكّن القائمين على رعايتها من معرفة احتياجاتها قبل أن تتفاقم الأضرار. يعلّق ماسي قائلاً: «إذا زرنا الأشجار جماعياً ولم نفعل ذلك بذكاء، فإنها ستموت».
نوصي بقراءة: سعوديات يتركن بصمتهن في كأس العالم للرياضات الإلكترونية
تُدير الحديقة شبكة من الحساسات، وكاميرات لمراقبة الحشرات الملقّحة، وبيانات مناخية تُقدّم توصيات عملياتية. على سبيل المثال، متى يسقى النبات؟ متى يُقص؟ وغيرها من الإجراءات الاستباقية، تجاوزاً للنمط الريفي التقليدي. يُعزى ذلك إلى الاعتماد على نموذج لغة صغير (LLM) لتقليل استهلاك الطاقة مقارنة بالنماذج الضخمة، مع الحفاظ على الكفاءة العالية وضمان أسلوب بسيط وفعّال في التفاعل مع الجمهور.
لا يقتصر الذكاء على البرمجيات؛ بل يمتد إلى التصميم المادي لكل بنية الحديقة كأروقة مصنوعة من ميسليوم قابل للتحلل، وأحجام قابلة للفصل والنقل من مكان لآخر بعد المعرض دون إنتاج نفايات. لاحقاً، عُدّلت بنية الحديقة لتلائم عرضها الدائم في مانشستر كمشروع نموذجي لـ«الحدائق الذكية الحضرية».
يُستخدم نموذج لغوي صغير (LLM) لتقليل استهلاك الطاقة مع الحفاظ على قدرة الأشجار على «التواصل» بلغة طبيعية (مايكروسوفت)
يُعد المشروع برهاناً ملموساً على استفادة المتنفسات الحضرية من الذكاء الاصطناعي لتعزيز استدامتها. فبفضل هذه المنصة، يمكن للمخططين الحضريين، وفرق الحدائق، وأصحاب المساحات الخضراء اتخاذ قرارات مدعمة بالبيانات لحماية التنوع البيولوجي، والمحافظة على الماء، وتحسين صحة الأشجار.
يقول توم مايسي: «إننا لا نسعى لاستبدال الطبيعة بالإنسان، بل للمساعدة في تعزيز التناغم بين الإنسان والبيئة». في النهاية، تصبح حديقة «أفانادي الذكية» ( Avanade Intelligent Garden ) أكثر من مجرد تجربة؛ إنها رؤية عملية لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم حلول بيئية مبتكرة. هذا المشروع يكشف عن أن الذكاء الحقيقي يكمن في توفير صوت للطبيعة، ليس فقط لفهمها، بل لحمايتها والتواصل معها.